لبنى
كان يوم 2001/10/24 وكان اجتياح مدينة بيت لحم وكانت دبابات في مدخل القرية وعلى جميع مداخل بيت لحم، وكان قصف مستمر من مستوطنة جيلو على مدينتيّ بيت لحم وبيت جالا. كانت بداية فصل الخريف والأرض بتحضر حالها للمطر لتنبت اللي بداخلها وانا كنت احضر حالي لاستقبل طفلي واولد, كنت باواخر شهري التاسع.
كانت الدنيا الظهر لما حسيت بأول نغزه والم, بيني وبين حالي عرفت انه الوقت اجى بس قد ما الدنيا برا بتخوّف والقصف قايم قاعد انكرت وحاولت اخبي الوجع. مع غروب الشمس صار الطلق يزيد, صار الوجع اقوى وكل ما نزلت الشمس صارت نوباته اكثر. جوزي انتبه علي ودغري قلي: يلا عالمستشفى! وبرا صوت اطلاق نار ومداخل القريه كلها مسكرها الجيش بكوام تراب وصخور, فش كيف نوصل للمستشفى, جاوبته: ما رح اولد اليوم! ومن خوفي عقلي اخذ قرار اني مش رح اولد اليوم!
اتصل بأمي ونادى حماتي عشان يقنعوني اروح الى المستشفى، اجت امي واجت حماتي. اتصلو بابوي اللي كان يشتغل مدير مدرسة بالقدس, كان يقعد بالقدس بدون تصريح من الاحتلال لهيك كان يغيب عنا شهر كامل عشان ما ينمسك بدون تصريح, ابوي حاول يفحص مع مستشفيات القدس إمكانية ارسال سيارة اسعاف عن طريق خط60 اللي بوصل مستوطنات الخليل بالقدس واللي اقتطع كثير من اراضي القرية. للأسف رفضت المشافي ارسال سيارة اسعاف بسبب انني مواطنة فلسطينية احمل الهوية الخضراء (وهي هوية الضفة الغربية) يعني ممنوعة من دخول القدس.
بعد محاولات لترتيب سيارة اسعاف من أي مستشفى وبدون أي نتيجة. الحل الوحيد والمجنون والممكن وقتها كان انه نخاطر عن طريق حرش دير كريمزان, اللي طريقه ضيق ووعر وملان حفر, ملان شجر وبخوّف وموحش بالليل, بس ما كان في خيار لانه المسالة مسالة حياة او موت!وصلنا بالليل عطرف الحرش, كان الممر مسدود بجبال كبيرة من التراب والصخر من جيش الاحتلال, جوزي واخوه نزلو وبلشو يفتحو الطريق ويزيحو التراب والصخور لتقدر السياره تمرق. انا جوا السياره وهني ياحرام عرقانين وبلهثو وبزيحو بالتراب والصخور بقوّه وسرعه والطلق والوجع بزيد وبزيد ونا كاتمه صوتي ما بدي اصرّخ من الوجع!
نزلوني من السياره وكان لازم نمرق انا وامي وحماتي المسافه مشي خوف لتقلب السياره لا سمح الله على حفة الطريق. بعد ما مشيت مسافة مع الوجع, اخ زوجي بلش يحاول يمرر السياره شوي شوي, انا اتفرج عالسياره كيف تفاحر وكلنا ايدنا عقلبنا ما يصير عليه اشي وبنفس الوقت الطلق عم يزيد وبطل في معي مجال! تطلعت عالسما وصليت! يا رب! ما النا غيرك بهيك ظرف! اذا قلبت السياره كلنا رح نعلق هونا بالعتمه! يا رب! وباخر لحظه قدر سلفي يمرق السياره ونجا ونجينا بهاي المرحله ومضلش معنا وقت ومجبورين نوصل لاقرب دكتور او مساعده طبيه! طبعنا بالسياره ووصلنا لاخر طريق كريمزان باتجاه بيت جالا, متذكره الشارع كان فاضي وطويل وما حدا فيو والقصف معبي الدنيا! كان فوق روسنا وكنت احسه بجسمي! وباي لحظه رح يطولنا! وطفلي بدو يطلع !وانا جسمي رافض الاشي وبده يمنعه!
امي تذكرت انه في طبيب نسائي اسمه جادالله النجار بسكن في المنطقه اللي احنا فيها, رحنا لعنده ودقينا عالباب, استقبلني الدكتور وفتت عشان يفحصني, فتت وشفت كثير كثير عيون وكلها بتطلع وملان كاسات شاي وصحون كعك. الدكتور اخذنا عالغرفه الثانيه اللي بفصلها عن الصالون والناس باب قزاز شفاف. كانت بالغرفه كنباي جلد من ثلاث مقاعد لونها اسود وقللي ما في غير هاي الكنباي افحصك عليها. انا وجهي وجسمي كانو بيغلو ورفضت, جاب ستارة وغطى فيها باب القزاز عشان ما حدا من العيله يشوفني ونا بهيك وضع محرج! حطيت جسمي عالكنبايه وقد ما جسمي كان نار ومولعه الكنباي الجلد كانت بارده!
-انتي في حالة ولاده! لازم تولدي هلق! ما في مجال نستنى! بس كل معداتي بعيادتي في بيت لحم!
سمعته, قمت ولبست وطلعت بسرعه عالشارع, ما بدي اولد! الوجع بيزيد ونابحاول اشفط الطفل لجوا بطني من الخوف وابكي! امي طلعت تركض وراي والدكتور لحقها وحكالها انه رح يحاول يتصل عالمستشفى يبعثو سيارة اسعاف وقلي: اذا استمريتي برفض الولاده, رح تموتي انتي وطفلك!
اتصل بمستشفى الجمعية العربية اللي كان وقتها مستشفى عظام ، طلب منهن يأمنوا لي غرفة وسرير لاولد فقالوله أنه ممكن يجهزوله غرفة مخصصة لتجبير العظام لانه هذا اللي موجود عندهم والمستشفى غير مهيئ لحالات الولاده. رحنا عالجمعية العربية, استقبلتنا راهبة ومجموعة من الممرضين ، ادخلوني لغرفة صغيرة كثير فيها سرير ابيض صغير لتجبير العظام وبدت الراهبة تحضر المعدات التي يمكن ان تساعد في عملية الولادة والشراشف المعقمة الي وللمولود وهي تحاول تهديني! بس انا كنت بدرجة خوف مش قادره اشوف الجانب السعيد بولادة طفلي! الخوف سرقلي فرحتي بامومتي وبطفلتي وشفت بس اني ما بدي اولد!
جسمي ولأنه عقلي فات بحالة "ما بدي اولد!" ما تجاوب بالبداية وحاولو يساعدوني استرخي واسمح لجسمي يعمل اللي عليه ويساعد الطفل يطلع. بعد ساعات استدعو قابله, كانت كثير سمينه\ناصحه, متذكره اقعدتني وضغطت بكل وزنها وثقلها على ضهري ونا اصرخ من الوجع وهي تضغط لحد ما وصلت لدرجة بطلت اقدر اتحمل الوجع ووزنها وبنفس اللحظه حسيت انه طفلي تحرك... وشفت طفلتي بخدود حمرا وشعر كثيف! حطوها على صدري ودموعي مثل الشلال على وجهي ونا اضحك وحاضنتها وكل جسمي برجف. ومع انه القصف برا ما وقف الا انه بهاي اللحظات ما سمعت من كل الأصوات الحوالي الا صوت واحدا: صون بكا طفلتي! كان يرن بدنيي مثل الاجراس. موقفتش بكى, وجوزي كان يبكي وحماتي وامي وحتى الممرضات.
طبعا من نتائج ولاده متعسره مثل هيك نتج تمزق وكان لازم اجراء قطب, ما كان في مستشفى العظام غير الاسلاك اللي بستخدموها في تقطيب وتجبير العظام! وبعد ما حضنت طفلتي وتجمعو كلهم حوالي سميناها "عروب", عروب ول تحت قصف الاحتلال وبقصة ملانه تحديات, نفس الاحتلال اللي بسببه ثاني يوم استشهد شب واخر كانت اصابته خطيره. بنفس اليوم شفت الموت والحياة, وفهمت انه الولاده ببلدنا هي صمود ومقاومه.